بحث مفصل حول حكم الاسترقاء بالأسماء والكلمات الأعجمية والطلاسم
هذا السؤال يطرح كثيرا وقد أخذ حيزا كبيرا في هذا الزمان من النقاش والجدل مابين محلل ومحرم ومابين مكفر ومفسق إلى ما هنالك من أقوال وخلافات في هذا الموضوع فأحببت أن أكتب هذا البحث المفصل أبين فيه كل ما يتعلق بهذا الموضوع بحيث أجعل فيه كفاية لمن أراد الحق والحقيقة واعتمدت ان لا انحاز في الحكم بل أبين ما لنا وما علينا دون الميل والشطط وكذلك أبين فيه من خلال الواقع بعض الحقائق التي تغيب عن الكتب والباحثين وأسأل الله تعالى ان يوفقني لما يحبه ويرضاه فأقول وبالله التوفيق :
مقدمة حول الأسماء والكلمات الأعجمية :
اعلم أخي المسلم أن الكلمات التي تستخدم في العلوم الروحية والعلاجات والرقى لها عدة أقسام وهي بعدة لغات فمنها ما هو حرام وكفر ومنها ما هو حلال ومنها ما يحمل معاني في حروفه ومنها ما لا يحمل معاني أبدا ومنها ما هو بلغات غير عربية كاللغة العبرية واللغة السريانية واللغة الفارسية وهذه لغات معروفة ومنها ما هو ناتج عن علم الحرف وعلم البسط والتكسير الذي يعتمده علماء الروحانيات وغيرهم من السحرة والمشعوذين وهناك فرق بين كل منها وينبغي التمييز لكي لا يذهب الصحيح بالباطل فهناك الكثير ممن يتكلمون في هذا فيحرمون ويقولون هذا شرك وكفر وباطل دون الخوض في هذه التفصيلات وهذا ليس من أسلوب العلماء فالعلماء يردون كل شيء إلى البحث العلمي والتفصيل وبيان الأدلة بالشكل الأكاديمي العلمي وليس الحكم على الأشياء جملة وتفصيلا فينبغي أن نفرق بين الكلمات والطلاسم فالكلمات شيء والطلاسم شيء آخر وكذلك ينبغي ان نفرق بين الكلمات التي هي في لغات اخرى معروفة وبين الكلمات التي لا تحمل أي معني فكل هذا ينبغي ان نراعيه قبل إطلاق الحكم الشرعي في هذه المسألة
حكم الاسترقاء بالكلمات والأسماء العجمية :
لقد ذكرنا فيما سبق ان الكلمات والأسماء التي تستخدم هي قسمان قسم بلغات أخرى غير العربية وقسم بلغات غير معروفة وكل واحد منها له حكم وقد سئل ابن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى عن هذا في الفتاوي الحديثية للإمام العلامة ابن حجر الهيثمي وهذا نص الفتوة :
وسئل رضي الله عنه: عن كتابة الأسماء التي لا يعرف معناها والتوسل بها هل ذلك مكروهة أو حرام؟ وهل هو مكروه في الكتابة والتوسل بتلك الأسماء التي لا يعرف معناها أو حرام في التوسل دون الكتابة؟ فقد نقل عن الغزالي أنه لا يحل لشخص أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، وهل فرق في ذلك بين ما يوجد في كتب الصالحين كعبد الله بن أسعد اليافعي وغيره أم لا؟، فأجاب رحمه الله تعالى :
الذي أفتى به العز بن عبد السلام كما ذكرته عنه في «شرح العباب»: أن كتب الحروف المجهولة للأمراض لا يجوز الاسترقاء بها، ولا الرقي بها لأنه صلى الله عليه وسلّم لما سئل عن الرقي قال: «اعرضوا عليّ رقاكم فعرضوها فقال: لا بأس» وإنما لم يأمر بذلك لأن من الرقي ما يكون كفراً وإذا حرم كتبها حرم التوسل بها نعم إن وجدناها في كتاب من يوثق به علماً وديناً فإن أمر بكتابتها أو قراءتها احتمل القول بالجواز حينئذٍ لأن أمره بذلك الظاهر أنه لم يصدر منه إلا بعد إحاطته واطلاعه على معناها وأنه لا محذور في ذلك، وإن ذكرها على سبيل الحكاية عن الغير الذي ليس هو كذلك، أو ذكرها ولم يأمر بقراءتها ولا تعرض لمعناها فالذي يتجه بقاء التحريم بحاله، ومجرد ذكر إمام لها لا يقتضي أنه عرف معناها فكثيراً من أحوال أرباب هذه التصانيف يذكرون ما وجدوه من غير فحص عن معناه ولا تجربة لمبناه، وإنما يذكرونه على جهة أن مستعمله ربما انتفع به، ولذلك تجد في ورد الإمام اليافعي أشياء كثيرة لها منافع وخواص لا يجد مستعملها منها شيئاً وإن تزكت أعماله وصفت سريرته، فعلمنا أنه لم يضع جميع ما فيه عن تجربة بل ذكر فيه ما قيل فيه شيء من المنافع والخواص كما فعل الدميري في حياة الحيوان في ذكره لخواصها ومنافعها ومع ذلك تجد المائة ما يصح منها واحد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي هذه الفتوة العظيمة بيان واضح من العز رضي الله عنه ومن خلالها يتبين لنا عدة امور هي:
· الأصل في هذه المسألة عدم جواز استعمال المجهول المعنى من حيث الرقى ومن حيث الكتابة لعدم احتمال الصحة ولاحتمال وجود الكفر والشرك في هذه الكلمات والأسماء فنقع في الشرك والحرام دون علم وهذا لا ينبغي أبدا . ولا يجوز استخدامها مطلقا بدون معرفة المعنى او لمجرد وجودها في الكتب وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه الترمذي والنسائي وغيرهما عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : دع ما يريبك إلى ما لا يربك . وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن النعمان بن بشير :فمن اتقى الشبهات فقد استبرئ لدينه وكذلك قال الله تبارك وتعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36)
· جواز الاسترقاء بما يعلم معناه وكان معناه سليما أي فيه ذكر الله تبارك وتعالى وفيه دعاء وكان بلغات أخرى مفهومة ونذكر من هذه الأمثلة كلمتان ( آهيا شراهيا ) هذه الكلمات نجدها كثيرا في الكتب وفي بعض الأدعية والرقى وهما في اللغة العبرية ومعناهما ( الحي القيوم ) وقد ذكر هذا أهل التفسير وقالوا أن هذان الاسمان دعا بهما آصف بن برخيا وزير سليمان عندما جاء بعرش بلقيس وقد ذكر هذا القرطبي وابن كثير والطبري وغيرهما فليس هناك حرج إذا اردنا استخدام هذه الكلمات التي نحيط بمعناها وقد تعرض لهذا العز في فتوته وهناك غيرها الكثير من الكلمات وهي عبارة عن أدعية نقلت عن اليهود والنصارى بلغاتهم وهي أدعية وردت عن عيسى وموسى عليهم السلام وبعض رهبانهم وهي أديعة وتضرعات بلغاتهم وهناك الآن الكثيرين في هذا العالم من يناجون الله بلغاتهم فهل اذا وجدنا لغتهم مكتوبة نقول كفر ينبغي ان نعلم الحق حقيقة
· إذا وجدت هذه الكلمات في كتب من نثق فيه علما ودينا وقد أمر بقراءتها او كتابتها جاز ذلك لعلمنا أنه لم يقراها ولم يأمر بها إلا بعلمه بمعناها ونفعها وقد وردت كلمات كثيرة في بعض ادعية الصالحين منها في بعض أدعية الشيخ عبد القادر الجيلاني وهذا مثال على ذلك
· مجرد ورودها في بعض الكتب لا يعني الجواز فكثير من العلماء ذكروا بعض الكلمات مستدلين بها أو حكاية وروايه أو نقلا وليس مجرد ورودها يعني الجواز
الخلاصة :
يجوز استخدام الاسماء والكلمات التي علم معناها ويكون معناه ما يجوز الاسترقاء به من أسماء الله الحسنى والأدعية المأثورة وأما ما يعلم معناها ولكن ليس في معناها ما يجوز الاسترقاء به كأسماء الجن وغيرها مما يحرم وفيه كفر وشرك مما لا ينبغي فلا يجوز العمل بها ولو علم معناها وأما التي لا يعلم معناها فلا يجوز العمل بها إلا في حالة ورودها عن ثقة في العلم والدين واما غير هذا فلا يجوز العمل بها أبدا لما بينا سابقا من الأدلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق