موضوعات مختلفة في العقيدة : الجن والسحر : الدرس 7 : مدافعة السحر بالطريق الشرعي لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام : مع الدرس السابع من دروس النهي عن التعامل مع السحرة والمشعوذين والجن .
أيها الأخوة الكرام : كان موضوع الدرس السابق الحديث عن السحرة ، واليوم ننتقل إلى موضوع جزئي من هذا الموضوع الكبير ، ألا و هو أن مدافعة السحر لا تصح إلا بالمعالجة الشرعية .
هناك ألف أسلوب وأسلوب ، وألف طريقة و طريقة أساسها الدجل والشعوذة والكذب والخرافة ، لكن لمكافحة السحر ومدافعة السحر طريق وحيد هو الطريق الشرعي ، يقول أحد كبار العلماء : " من سلك في دفع عداوتهم مسلك العدل الذي أمر الله به ورسوله فإنه لم يظلمهم ، بل هو مطيع لله و رسوله في نصر المظلوم ، و إعانة الملهوف ، و التنفيس عن المكروب " .
أي إذا لجأ إنسان وقع السحر عليه ، أو إنسان أصابه مس من الجن لجأ إلى عالم رباني يعرف الله ، يعرف تفاصيل منهج الله ، يعرف الوسائل الشرعية ، و طبق هذا العالم الوسائل الشرعية في مدافعة السحر فلا شيء عليه ، بل إنه قدم خدمة كبيرة لهذا المسحور ، أو للذي أصابه مس من الجن .
الطريق الشرعي أيها الإخوة ليس فيها شرك بالخالق ، الحقيقة الكبرى الأولى والأخيرة أن أيّ جهة في الأرض لا تستطيع أن تمسك بأذى إلا إذا أراد الله :
[ سورة البقرة : الآية 102]
فعلاقتك في موضوع السحر وموضوع مس الجن مع الله وحده .
اليوم جاءتني رسالة بالبريد الإلكتروني من رجل يسأل أن زوجته لها تصرفات غير معقولة إطلاقاً ، غير مقبولة ، وغير مألوفة منها سابقاً ، فأخذها إلى أطباء كثر ، أكثرهم قال : معها مس من الجن ، كلامها غير معقول ، تصرفاتها غير معقولة ، امتناعها عنه غير معقول، تهجمها عليه غير معقول ، فالأطباء النفسيون أجمعوا على أن مساً من الجن أصابها ، طبق بعض التعليمات الشرعية ، يقول : الشيء الذي لا يصدق أنها عادت إلى ما كانت عليه من رقة ومن لطف وعقلانية ومن توازن .
أحياناً الله عز وجل لحكمة بالغة يعاقب إنساناً ، وهو العدل ، بمس من الجن ، إما لغفلته ، أو لتقصيره ، أو لانغماسه في معصية لم يعلم بها أحد ، أو ما شاكل ذلك ، هذا المس من الشيطان أو المس من الجن والشياطين كفرة الجن ، أو تأثير السحر على هذا الإنسان لا يدفع إلا بالطريق الشرعي .
الطريق الشرعي الأول والأخير الاستعاذة بالله عز وجل :
[ سورة الأعراف : الآية 200]
[ سورة الأعراف : الآية 201]
فمس الشيطان يذكر الله ، مس الجن يستعيذ بالله ، الاستعاذة بالله وذكر الله المؤدى واحد ، إلا أن التفاصيل هنا نستعيذ بالله بقراءة المعوذتين وآية الكرسي والصلاة والدعاء ، هذا كله يقوي الإيمان ، ويجنب الذنوب و العصيان .
يقول بعض العلماء : " و من أعظم ما ينتصر به على الجن آية الكرسي ، ومع هذا فقد جرب المجربون الذين لا يحصون قراءة آية الكرسي على من أصابه مس من الجن فوجدوا لها تأثيراً عظيماً في دفع الشياطين عن نفس الإنسان ، و في دفع الجن عن نفس المصروع " .
أيها الأخوة الكرام : إذا قرأت آية الكرسي على هؤلاء الذين مسهم الشياطين ، أو مستهم الجن ، أو من وقع السحر عليهم ، أو تلقوا أذى من أعوان الشياطين ، أحياناً هناك شيطان من الإنس ، إنسان قد يكون زميلك في العمل ، وقد يكون جارك في السكنى ، وقد يكون قريبك ، وهو مع الشياطين ، أحياناً يضيق عليك ، يبتغي أن ينالك بأذى دون أن يناله شيء ، هذا أيضاً مس من شياطين الإنس ، إذا قرأت على هؤلاء جميعاً آية الكرسي بصدق دفعت عنه الشياطين ، بصراحة أقولها لكم : مفهوم الشيطان غير وارد عند معظم الناس ، أو عند معظم المسلمين ، مفهوم أنه يوجد مخلوق يكيد لك ، يبغضك بزوجتك ، يوقع بينك وبين أخيك العداوة والبغضاء ، يدفعك إلى الشر ، يدفعك إلى الغضب ، يدفعك إلى البطش ، يجعلك ثوراً هائجاً هو شيطان :
[ سورة البقرة : الآية 168]
و الله أيها الإخوة ، كلما وقعت عيني على صورة إنسان يسرق لجريمة ارتكبها أقول: هذا من عمل الشيطان ، دفعه إلى سرقة ، والسرقة تحولت إلى قتل ، و القتل انتهى به إلى حبل المشنقة ، هذا من عمل الشيطان .
تكاد تكون معظم حالات الطلاق التعسفي من عمل الشيطان ، تكاد تكون انهيارات الشركات من عمل الشيطان ، شريك متعنت يريد أن يأخذ ما ليس له ، و يستخدم قوته على شريكه الآخر ، فتتحطم الشركة ، وقد يرجى منها نفع كبير ، فلا تظن قضية الشيطان قضية موجودة في الكتب ، قضية الشيطان مع كل إنسان ، في كل لحظة ، و كل بيت ، لو أن إنساناً دخل إلى البيت ، و لم يسلم يقول الشيطان لإخوانه : أدركتم المبيت ، لو جلس إلى الطعام فلم يسمِ يقول : أدركتم العشاء ، فإذا دخل ، و لم يسلم ، و جلس ، و لم يسم قال : أدركتم المبيت والعشاء .
تجد بيتاً فيه نكد ، كيفما تحركت الزوجة تنتقد ، و كيفما تحرك الزوج ينتقد زوجته ، والملاسنة ، وتراشق التهم أمام الأولاد ، والشحناء والبغضاء ، لأن الشيطان في البيت ، هذا بيت كالقبر ، لا يصلى فيه ، لا يقرأ القرآن فيه ، لا يسبح الله فيه ، لا يمجد الله فيه ، لا يستغفر الله فيه ، إذا دخلت البيت ، وقلت : السلام عليكم و رحمة الله ولى الشيطان ، أنا مضطر أن أتكلم بصراحة .
أعيد وأقول : مفهوم الشيطان ليس مقبولاً عند معظم المسلمين ، مع أن القرآن الكريم يؤكد ذلك :
[ سورة الإسراء : الآية 53]
يتضح لي من خلال ما يجري أنّ أيّ زوج حلف على زوجته طلاقاً معلقاً ألا تذهب إلى بيت أختها ، فإذا ذهبت إلى بيت أختها فهي طالق ، سبحانك يا رب ، لا يحلو لهذه الزوجة إلا أن تذهب إلى بيت أختها ، و تضحي بزوجها ، و تضحي بحسن العلاقة مع زوجها ، مئات الحوادث ، آلاف الحوادث ، يمين حلفه الزوج على زوجته هذه الزوجة ، لأن الشيطان معها لا يحلو لها شيء إلا أن تكسر يمينه .
أحياناً نصيحة يوجهها الأب لأولاده إذا وجد بين الزوج والزوجة خصومات تعطي العكس ، ابنها وابنتها ، والأب ينصح فتعطي العكس ، إن دعا أولاده إلى الصلاة فتقول الزوجة دعهم متعبون، إن دعاهم إلى الذهاب معهم إلى المسجد ترفض الزوجة ، شيطان ، أحياناً الزوج شيطان ، وأحياناً الزوجة شيطان ، يقول لك : أخلاقها سيئة ، لأن معها شيطان ، الشيطان يعرف بالضبط كيف يفسد العلاقة بين الزوجين ، يعرف الشيطان كيف يفسد العلاقة بين الشريكين ، بين الجارين ، كلمات قاسية ، ملاحظات قاسية ، تجهم أحياناً ، تجد الرجل لطيفاً ، ابتسامته على فمه ، لطيف المعشر ، إذا دخل البيت انقلب إلى وحش ، ما الذي حصل؟ هذه زوجتك ، هؤلاء أولادك ، من لهم غيرك ؟ ابتسامتك لمن ؟ لزوجتك ، لو أن زوجاً له عمل وظيفي ، ويوجد موظفات لا يوجد ألطف منه مع الموظفات ، بكل احترام ، بكل مودة ، بكل أدب ، بكل تواضع ينتقي أجمل الكلمات ، مع زوجته ينتقي أصعب الكلمات ، أقسى الكلمات ، أحياناً الشيطان يمنعك أن تشكر ، بيت نظيف ، طبخ جيد ، أولاد مرتبون ، انتهى الأكل فقط ، و ليس السلام عليكم ، الله يعطيك العافية ، جزاك الله خيراً ، الله أكرمني بك ، تجد كلمة كالصخر .
والله يا إخوان ، أنا متألم جداً حين أسمع من إخواننا بالهاتف وبشكاوى مكتوبة أن بيوت مسلمين جحيم لا يطاق ، هذا قدر ؟ هذا خطأ ، و ليس قدراً ألا تستطيع أن تكون زوجًا راقيا ؟ زوجًا مهذبًا ؟ زوجًا لطيفًا ؟ زوجًا متسامحًا ؟ زوجًا عطوفًا ؟ زوجًا رحيمً ؟ ألا تستطيعي أيتها الزوجة أن تكوني واعية ؟ كسب المال صعب جداً ، عقبات ، و متاعب ، وضغوط ، و قوانين ، هي مرتاحة ، تريد كل حاجاتها بلا تلكؤ ، لا تعذر زوجها ، ضغطها الشديد أحياناً يخرجه من اتزانه ، يوجد بالمنزل شيطان ، إما مع الزوج ، أو مع الزوجة ، أو معهما معاً .
بيوت المسلمين جحيم لا يطاق ، لا يوجد ود ، لا يوجد محبة ، لا يوجد احترام للأب، لا يوجد احترام للأم ، لا يوجد اهتمام بالأولاد .
مرة ثانية ، مفهوم الشيطان مفهوم ضبابي عند معظم الشياطين ، أحياناً تجد إنساناً يندفع إلى الأذى دون أن يربح شيئاً ، أحياناً تقع مصائب كبيرة بسبب كلمة ، بسبب غفلة بسيطة ، لذلك قل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إذا دخلت بيتك ، إذا خرجت من بيتك فقل : اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل ، أو أن أَذل أو أُذل ، أو أن أظلم أو أن أُظلم ، يوجد دعاء لدخول البيت ، ودعاء للخروج منه ، يجب أن تعلم أن أكبر هدف للشيطان التفريق بين الزوجين وبين الأخوين ، و بين الشريكين ، و بين الجارين .
حينما يكون المجتمع ممزقاً فهذا من أهداف الشيطان ، والمجتمعات الآن أيها الإخوة ممزقة والله ، آية الكرسي إذا قرأت بصدق وإخلاص ، إذا كانت مقروءة بقلب حاضر ، فإن الشيطان يولي دبره .
سبحانك يا رب ، لا يوجد إنسان معصوم ، أحد العلماء يرى أن هذا المصروع من أجل أن يخرج منه الجني ينبغي أن يضرب ضرباً مبرحاً كثيراً ، قال : هذا الضرب ليس له ، للجني ، فتساءل عالم آخر ، قال : ما الدليل ؟ لم يرد هذا لا في القرآن ولا في السنة ، تقتله قتلاً تموته ، وأنا أعالجك ، الله ذكر الدواء ، فاتعظ بالله ، ولم يذكر الضرب ، وأنا أسمع هذا كثيراً ، كل إنسان يذهب إلى من يُظن أنه يصرف عنه الجن ، يضربه ضرباً مبرحاً ، و قد يكون الضرب فوق طاقة احتماله ، قال : هذا ليس له أصل إطلاقاً .
فضلاً عن آية الكرسي يفضل أن نقرأ لهذا الذي أصابه مس من الجن ، أو أصابه سحر الساحر ، أو أصابه مس من شياطين الإنس ، الآن شياطين الإنس أبلغ أثر من شياطين الجن ، شياطين الإنس أخطر من شياطين الجن ، تجد فرضاً طفلاً بريئاً شابًا سهر مع رفاقه ، شرب كأسًا من الشاي فيها مخدر ، بدأ كل شيء يملكه اشترى فيه مخدرات ، بعد ذلك تدين ، ثم سرق ، ثم سمح لصديقه أن يواقع أخته من أجل ثمن المخدر .
والله يوجد قصص أيها الإخوة عن المخدرات يشيب لهولها الولدان ، هذا شيطان ، فالإنسان يجب أن يكون في أعلى درجة من اليقظة ، (( لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي )) .
[الترمذي]
مرة ثانية : (( لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي )) ، لا تدخل بيتًا لا تعرفه ، ولا تدخِل أحداً إلى بيتك ، و أنت لا تعرفه .
الآن الفاتحة : يروي الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه ـ إذا ترضينا عن إمام محدث من باب الدعاء ، و إن ترضينا عن صحابي جليل من باب التقرير ، لأن الله سبحانه و تعالى قال :
[ سورة الفتح : الآية 18]
فرق كبير بين أن تقول : رضي الله عنه دعاء أو تقريراً ـ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ : (( كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي ، فَقَالَ : أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ : اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ، ثُمَّ قَالَ لِي : لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ : أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ، قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ )).
[ البخاري ، النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ، الدارمي]
حديث آخر عن فضل الفاتحة ، والحديث أيضاً في الصحيحين ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَاسْتَضَافُوهُمْ ـ أي طلبوا أن يكونوا ضيوفاً عندهم ـ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ ـ رئيس هذه القبيلة لدغ إما بأفعى أو بعقرب ـ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ ، فَأَتَوْهُمْ ، فَقَالُوا : يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَعَمْ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا ، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا ، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ ، وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ ـ نشط و استعاد حيويته و قوته ـ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ ، قَالَ : فَأَوْفَوْهُمْ ـ أعطوهم ـ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : اقْسِمُوا ، فَقَالَ الَّذِي رَقَى : لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرُوا لَهُ ، فَقَالَ : وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ؟ ثُمَّ قَالَ : قَدْ أَصَبْتُمْ ، اقْسِمُوا ، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
استنبط العلماء من هذا الحديث أنه يجوز أن تأخذ أجراً على رقيك ، يوجد حديث آخر، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (( أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ ـ الذي لدغ بعقرب ، أو بحية ، لكن السليم هو اللديغ ، تفاؤلاً له بالسلامة ـ أَوْ سَلِيمٌ ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ ، فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ ؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا ، أَوْ سَلِيمًا ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ ـ ما قرأها على الشاء قرأها على الملدوغ لكن بأجر قدره شاء ـ فَبَرَأَ ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ ، وَقَالُوا : أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا ؟ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ)).
[ البخاري ]
في الرقية فقط ، حديث آخر والحكم خاص ، ولا يقاس عليه أبداً ، في موضوع الرقية يجوز أن يأخذ الراقي أجراً على رقيه ، عند الصحابة معلوم لديهم أن أخذ المال على قراءة القرآن حرام في غير الرقية ، كما فهم أصحاب النبي رضوان الله عليهم حين قالوا لنبيهم صلى الله عليه و سلم : أخذ على كتاب الله أجراً ، وبما سمعوا من كتاب الله قوله تعالى :
[ سورة المائدة : الآية 44]
إذاً فليحذر الذين اتخذوا تلاوة القرآن صنعة لهم يلبون بها حاجات الناس في المناسبات، ليحذر أن يكون كسبه غير مشروع .
أيها الأخوة الكرام : حديث ثالث ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : (( بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ ، فَقَالَ : هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَسَلَّمَ ، وَقَالَ : أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ )) .
[ مسلم ، النسائي ]
المعوذتان ، وآية الكرسي ، وفاتحة الكتاب ، و خواتيم سورة البقرة ، هذه الآيات ، وتلك السور يرد بهما السحر ، و يرد بهما المس ، و يرد بهما كيد شياطين الإنس الذين هم من بني جلدتنا .
روى الإمام أحمد عَنْ ابْنِ جَابِرٍ قَالَ : (( انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَهْرَاقَ الْمَاءَ ، فَقُلْتُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ ، فَقُلْتُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ ، فَقُلْتُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي ، وَأَنَا خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَحْلِهِ ، وَدَخَلْتُ أَنَا الْمَسْجِدَ ، فَجَلَسْتُ كَئِيبًا حَزِينًا ، فَخَرَجَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَطَهَّرَ فَقَالَ : عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَابِرٍ بِخَيْرِ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : اقْرَأْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى تَخْتِمَهَا )) .
[ أحمد ]
لازلنا في فضائل سورة الفاتحة ، و روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : (( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي ..... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلَهَا ، وَإِنَّهَا لَلسَّبْعُ مِنْ الْمَثَانِي )) .
[ البخاري ، الترمذي ، النسائي ، أبو داود ، أحمد ، الدارمي]
أيها الأخوة الكرام : هذا الأسلوب الشرعي في مدافعة السحر والمس ، ومدافعة شياطين الإنس ، بالاستعاذة بالله تكون أقوى البشر ، بالاستعاذة بالله تكون أعلم البشر ، بالاستعاذة بالله تكون أغنى البشر ، لكن سبحانك يا رب ، يوجد أشياء كثر تردادها ترداداً لفظياً أجوف فارغاً فقدت معناها ، و فقدت قيمتها ، مثلاً لو أن إنساناً أغضب إنساناً ماذا يقول الإنسان الذي أُغضب ؟ أشهد أن لا إله إلا الله ، هل أنزلت هذه الشهادة من أجل أن تعبر بها عن غضبك ؟ قد تسأل إنساناً ملحداً كيف الصحة ؟ الحمد لله ، تحمد من ؟ يوجد كلمات من كثرة ما رددها المسلمون ترديداً ببغاوياً وترديداً أجوف ، وشكلياً فقدت معناها ، أما أنت حينما تقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ، ومن شر غاسق إذا وقب ، و من شر النفاثات في العقد ، و من شر حاسد إذا حسد ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : عين الحاسد تضع الجمل في القدر ، وتضع الرجل في القبر .
إذا تباهى إنسان بنعمة ، و افتخر بها ، و أراد أن يكسر قلوب من حوله بها ، هكذا دخلي ، هكذا ربحت ، إلى هذا المكان ذهبت ، بدأ يفتخر بما آتاه الله عز وجل ليستعلي على عباد الله قد تصيبه عين الحسود ، لأنه غافل عندما مدح نفسه ، و افتخر ، و استعلى ، و كبر نفسه ، و استكبر وأثار الحسد ، فيأتي حاسد غافل فيحسده ، فتصيبه العين ، العين لا تدرأ أخطارها بكلمة عين الحاسد تبلى بالعمى ، لا ، بهذا لا يرد الحسد ، يرد الحسد بالتواضع ، يرد الحسد بعدم إظهار الزينة ، بعدم التفاخر ، بعدم التباهي ، بعدم الزهو ، بهذا يرد الحسد ، أما بوضع ورقة مكتوب عليها الحسود لا يسود ، هذا كلام لا يقدم ، و لا يؤخر .
أيها الأخوة الكرام : أنا أنصح أخوتي الكرام ، طبعاً أسأل الله لي و لكم السلامة من الجن ، أسأل الله لي و لكم السلامة من خرافات المخرفين ، و من شعوذة المشعوذين ، و من ضلال الضالين ، و من كل فساد و تيه في الأرض ، و لكن أنا أعدكم رسلاً لمن حولكم ، وكل شخص منكم حوله أناس ، فإذا وصل إلى سمعه مشكلات من هذا القبيل فليقف وقفة حازمة جريئة ، و ليؤكد أن جهة في الأرض لا تستطيع أن تؤذي أحداً إلا بإذن الله ، و أن طريق رد هؤلاء هو الاستعاذة بالله ، و لا سيما قراءة الفاتحة ، و المعوذتين ، و آية الكرسي ، و خواتيم سورة البقرة .
و الحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق