اختصاص الشياطين بالسحر وتعليمه للسحره
الحمد لله الذي أبان لنا حقيقة السحر ومنشأه ، ونور بصائرنا بالحذر من مكائد الشيطان وفنون سحره ومن أعوانه السحرة الكفرة ، فقال تعالى فيهم :" وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ "...
والذي يفهم من هذه الآية أن السحر كفر ، وهو انحراف عن النهج السوي ، ويشيع معه عبادة الأصنام والكواكب ، ويعظم فيه الشيطان ، يبيع الساحر نفسه وما يملك للشيطان حتى يحصل على بعض من فنون وعلوم السحر بما فيه من الإضرار بالناس .
وقبل أن نبدأ بالكلام عن فنون السحر وكيف يصبح الساحر قادراً على ممارسة سحره ، نود أن نلقي الضوء على تاريخ السحر :
ذهب الذين أرّخوا للسحر بعيد الغور في تاريخ البشرية ، واستدلوا على ذلك بما خلَّفه الإنسان قديماً من كتابات ورموز وتصاوير وأساطير ، وجدت في الخرائب والقبور كالتي وجدوها في الأهرامات ، إلا أن هذا التاريخ المدون والذي يعود الى خمسة آلاف عام تقريبا ، غامضاً في كثير من علومه ، ولولا فضل الله علينا وتبيانه لنا في كتابه عن حقيقة السحر وخطره وكيفية الاحتراس منه لبقي العالم أسير هذه المخاوف والعوالم الخفية التي ما فتئت شياطين الجن والإنس تكيد لابن آدم وتعمل على تدميره وإيذائه بهذا الفن من السحر عبر التاريخ ، إن الذي جزم بوجود السحر هو القرءان الكريم ، قال تعالى :" كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون " الذاريات223
فالنص القرءاني بعمومه يدلّ على أن جميع الأمم عرفت السحر ، وواجهت رسلها بهذه المقالة الظالمة وهي اتهامهم بالسحر أو الجنون ، كما جاء في قول الله تعالى : " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين " النمل13 ؛ " وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين " سبأ43 ؛ " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(6) الصف
واتخذ كثير من الملوك فيما مضى لهم سحرة يديرون معهم شؤون دولتهم ، ويستحوذون بهم على قلوب رعيتهم ، ويدلّ على ذلك قصة أصحاب الأخدود التي وردت في القرءان الكريم في سورة البروج ، حيث قام ذلك الغلام المؤمن بإبطال مزاعم ساحر الملك ، وأكرمه الله بالكرامات التي أعجزت عقول الناس فآمنوا جميعاً .
-2-
كما جاء في قوله تعالى : "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1)وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ(2)وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ(3)قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ(4)النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ(5)إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6)وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7)وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8)الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(9)
وقد جاء في الحديث النبوي الشريف تفصيل قصة الغلام ويقال أنه كان يدعى عبدالله بن التامر من نجران في بلاد اليمن ، قال الإمام أحمد فيما يرويه عن عفان : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال للملك إني قد كبر سني وحضر أجلي فادفع إلي غلاما لأعلّمه السحر فدفع إليه غلاما كان يعلمه السحر ، وكان بين الساحر وبين الملك راهب ، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه ، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال ما حبسك وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا ما حبسك فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل حبسني الساحر قال فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا فقال اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر ، قال فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ورماها فقتلها ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك فقال أي بني أنت أفضل مني وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم ، وكان للملك جليس فعَمِي ، فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال اشفني ولك ما ههنا أجمع ، فقال ما أنا أشفي أحدا إنما يشفي الله عز وجل فإن آمنت به دعوت الله فشفاك فآمن فدعا الله فشفاه .
ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس فقال له الملك يا فلان من ردَّ عليك بصرك ؟ فقال ربّي فقال أنا ؟ قال لا ربي وربك الله قال ولك رب غيري ؟ قال نعم ربي وربك الله فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فبعث إليه فقال أي بنيّ بلغ من سحرك أن تبريء الأكمه والأبرص وهذه الأدواء ؟ قال ما أشفي أحدا إنما يشفي الله عز وجل قال أنا ؟ قال لا ، قال أولك رب غيري ؟ قال ربي وربك الله فأخذه أيضا بالعذاب فلم يزل به حتى دلّ على الراهب فأتى بالراهب فقال ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شِقَّاه ، وقال للأعمى ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض . وقال للغلام ارجع عن دينك فأبى فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا وقال إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فده دهوه فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال: " اللهم اكفنيهم بما شئت " فرجف بهم الجبل فدُه دِهوا أجمعون
-3-
وجاء الغلام يتلَّمس حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك ؟ فقال كفانيهم الله تعالى فبعث به مع نفر في قرقور ( قارب) فقال إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فغرِّقوه في البحر فلججوا به البحر ، فقال الغلام "اللهم اكفنيهم بما شئت " فغرِّقوا أجمعون ، وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك ؟ فقال كفانيهم الله تعالى . ثم قال للملك :" إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني وإلا فإنك لا تستطيع قتلي قال : وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد ، ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهما من كنانتي ثم قل :" بسم الله رب الغلام " فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال بسم الله ربّ الغلام فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات فقال الناس آمنا برب الغلام . فقيل للملك أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك قد آمن الناس كلهم فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النيران وقال من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها قال فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون فجاءت امرأة بابن لها ترضعه فكأنها تقاعست أن تقع في النار فقال الصبي اصبري يا أماه فإنك على الحق . رواه مسلم
q قصة موسى وسحرة فرعون :
ولما جاء موسى عليه السلام الى فرعون وملأه ودعاهم الى الله ، كان السحر رائجاً وقد بلغ هذا الفن القمة ولذلك فقد واجههم موسى عليه السلام بما هو أعظم من السحر ألا وهي المعجزة الحقيقية فأبطلت سحرهم ، وهي العصا التي تحولت الى ثعبان كبير حين ألقاها موسى أمامه أول مرة كما جاء في قوله تعالى :" فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين " الاعراف ، وهذا ما ظنه فرعون سحراً لأنه اعتاد على أن يستعمل السحر في الاستحواذ على قلوب رعيته فلم يذعن فرعون لهذه المعجزة وأراد إبطال آية موسى بمعارضتها بأعمال السحرة الذين كانوا قد بلغوا من السحر في تلك الأيام مبلغا عظيما ، فجمع له السحرة من أنحاء دولته ، قال تعالى :" قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ(109)يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ(110)قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(111)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(112) الأعراف
وحدّد فرعون يوم العيد موعداً للمواجهة كما جاء في قوله تعالى : " فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى(58)قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى(59)فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى(60)
-4-
واجتمع السحرة من أنحاء مصر ، ورغّبهم فرعون في الأجر والرفعة عنده ، ليحفِّزهم على بذل أقصى ما عندهم في المواجهة في اليوم المشهود ، وجمع الناس من مختلف الأقطار ، قال تعالى :" فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(38)وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ(39)لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ(40)فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(41)قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(42) الشعراء
ووعظ موسى السحرة قبل المبارزة ، فتحاوروا فيما بينهم وعزموا على المضي قدماً فيما أعدوا أنفسهم له ، كما جاء في سورة طه قوله تعالى : " قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى(61)فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى(62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى(63)فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى(64)
ثم خير السحرة موسى في ابتداء المواجهة كما جاء في الآية " قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ(115)
فاختار موسى ابتداء السحرة " قَالَ أَلْقُوا " وفي سورة طه " قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا " 66-67 / هنا قال موسى كلاما عقائديا يكشف كذب وزيغ ما يأتي به السحرة ، وأنه بوجود الحق لا مكان للباطل ، كما جاء في الآية " فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(81)وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(82) يونس
" فألقوا حبالَهم وعصيَّهم وقالوا بعزّة فرعون إنا لنحن الغالبون " الشعراء44
وكانت نتيجة التخييل أن سحَروا أعين الناس كما جاء في قوله تعالى :" فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " ، وكانوا قد عمدوا إلى حبال وعصيّ فأودعوها الزئبق ، فأحدثت اضطراباً على الرمال الحارّة وخيّل للناس أنها تسعى كما جاء في قوله تعالى : " فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى ، فأوجس في نفسه خيفة موسى " ، وكان خوف موسىu على الناس من أن يفتتنوا بسحرهم ومحالهم قبل أن يلقي ما في يده ، فإنه لا يضع شيئا قبل أن يؤمر ، فأوحى الله إليه في الساعة الراهنة : " لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " وعند ذلك ألقى موسى عصاه ، فإذا هي حية عظيمة ذات قوائم ( فيما ذكره غير واحد من علماء السلف ) وعنق عظيم وشكل هائل مزعج ، بحيث أن الناس انحازوا منها وهربوا سراعاً وتأخروا عن مكانها .
-5-
وأقبلت هي على ما ألقوه من الحبال والعصي فجعلت تلقفه واحداً واحداً في أسرع ما يكون من الحركة والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها . قال تعالى :" وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ "
وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم وحيَّرهم في أمرهم واطَّلعوا على أمر لا يدخل تحت صناعاتهم وأشغالهم ، فعند ذلك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا شعبذة ولا خيال ولا تزوير ، بل حقّ لا يقدر عليه إلا الحق سبحانه .
وكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة وأنارها بما خلق فيها من الهدى وأزاح عنها القسوة وأنابوا إلى ربهم وخرّوا له ساجدين وقالوا جهرة للحاضرين آمنا برب موسى وهارون .
كما جاءت الأنباء بذلك في قوله تعالى :" فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى(70) قالَ ءَامَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى(71)قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72) إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73) طه 70- 73 ؛ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(120)قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(121)
قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة والاوزاعي وغيرهم لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيّأ لهم وتزخرف لقدومهم ولهذا لم يلتفتوا الى تهويل فرعون وتهديده ووعيده ( البداية والنهاية لابن كثير جـ1 ص239-240
إذاً نستطيع أن نقول أنه مع كل ظهور لشمس الهداية على يد نبيّ- فإنه يأفل نجم السحر ويبطل تأثيره في الناس ، كما حصل للكهانة مع مجيء محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد حُجِبت السماء وانقطعت أخبارها عن الشياطين مسترقي السمع الذين كانوا يزودون الكهنة بالأخبار التي يسترقونها من ملائكة السماء ولهذا كان سجود السحرة في حضرة فرعون لله رب العالمين إبطال لما ادَّعاه فرعون من الربوبية وإثبات الربوبية لله عز وجل ، وثانياً إزالة تأثير السحر عن عقول الناس وتبصرتهم بالحقيقة .
والسحر جاء مع إضلال الشيطان لأقوام عبدوا الأصنام والكواكب ، فهو نوع من أنواع الضلال الذي يكفر به صاحبه ، كما ورد في القرءان عن هاروت وماروت قولهم لمن يتعلم السحر : " إنما نحن فتنة فلا تكفر "
من الأمم القديمة التي مارست السحر وضلّت به أهل بابل كما ورد في القرءان :" ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " البقرة102
-6-
ولماذا نزل الملكين ببابل ؟ لعله - والله أعلم بالمقصود - قد انتشر السحر في تلك البلاد بكثرة ، فجاءا بهذه المهمة ليعلّموا الناس فنون السحر اختباراً وابتلاء للناس وذلك لاجتنابه لا للوقوع فيه ، وقد كان اليهود يتهمون نبي الله سليمان بأنه هو الذي نشر هذه العلوم من السحر ، فبرّأه الله في كتابه بقوله :" وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا " .
والآية تشير الى أن منبع علوم السحر هو من الشياطين ، كما جاء في أسباب نزول هذه الآية : يقول سعيد بن جبير = كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه ، إلى أن مات سليمان u فدنت إلى الإنس فقالوا لهم أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك ؟ قالوا نعم قالوا فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه ، فاستثار به الإنس واستخرجوه وعملوا به ، فقالوا كان سليمان يعمل بهذا وهذا سحر ، بينما في الحقيقة منشأ هذا السحر هو من الشياطين ومن ثمَّ انتشر بين الناس ، ليحقق الشيطان فيهم أمنيته فيكفِّرهم ويجعلهم عبيدا له قبل أن يقدم لهم شيئاً من أذى السحر من تفريق وربط ومس غير ذلك من صنوف الأذى للعباد ، كما فعل اليهود عندما نبذوا التوراة وراء ظهورهم واشتغلوا بالسحر الذي جعلهم عبيدا للشيطان فقال الله فيهم " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " وهذا ما يؤكد أن الساحر يبيع نفسه وما يملك للشيطان .
والذي يتضح لنا أيضا من القرءان الكريم أن السحر كان يصاحبه عبادة للأوثان والكواكب ، لأن السحر لم ينتشر إلا بعد أن انتشرت الأصنام ، وقد بدأ هذا الأمر في عهد نوح كما جاء في قوله تعالى :" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ(26) هود وقوله تعالى :" وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا " الاسراء
ونعود الى سرد بعض من اشتهر من الامم بالسحر : يقول ابن خلدون في مقدمته :" وأما وجود السحر في أهل بابل وهم الكلدانيون والسريانيون فكثير ونطق به القرءان وجاءت به الأخبار ، وكان للسحر في بابل ومصر أزمان بعثة موسى عليه السلام أسواق نافقة " ص927
ويذكر أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص :" أن أهل بابل كانوا صابئين يعبدون الكواكب السبعة ويسمونها آلهة ، ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعالها ، ( تماماً كما يحصل اليوم من نشرات يومية من علماء الفلك والذين يربطون الأمور كلها بالكواكب ) ثم يقول الجصاص : وهم الذين بعث الله تعالى إليهم إبراهيم خليل الله صلوات الله وسلامه عليه ، وحاجهم بالحجاج الذي بهرهم بها ، وأقام عليهم الحجة .
-7-
ويذكر الجصّاص أن ضلالة عبادة الكواكب السبعة لم تكن وقفا على أهل بابل ، بل كانت شائعة في إقليم العراق والشام ومصر والروم . وقد قسم الباحثون في مؤلفات الباببليين ونصوصهم السحرية تلك المؤلفات والنصوص الى ثلاثة مجاميع رئيسية :
الأولى : النصوص التنجيمية وفيها ذكر الكواكب على أنها آلهة ( بزعمهم) تؤثر في حياة الناس وفي أفعالهم ومصائرهم .
الثانية : فهي اللوحات الخاصة ببعض الوسائل المستعملة في الكهانة والتنبؤ بالغيب بزعمهم
المجموعة الثالثة :" فهي النُشرة والتعاويذ التي كانت تستخدم لدرء السحر الأسود وطرد الأرواح الخبيثة التي تحل بالأبدان ، فتسبب لأصحابها الأذى والأمراض .
فكل الكتابات والنقوش التي خلفها البابليون والأشوريون تدل على أن الخوف من الجن والشياطين كان الهاجس الأساسي في حياتهم وأن السحر كان في أولى اهتماماتهم .
- وتأثَّر الفرس أيضاً بسحر البابليون بعد أن استولى بعض ملوكهم على مدينة بابل ، ويذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية 7/38 أن رستم قائد الفرس في معركة القادسية ، كان ينظر في النجوم وقد اعتمد على النجوم في توقيت المعركة للظهور على المسلمين ، وكان هذا أحد الأسباب التي دعته الى تأخير ملاقاة المسلمين في القادسية مدة تزيد على الأربعة أشهر ، إذا كان الفرس يؤمنون بالسحر وتأثير الكواكب ويذكر المؤرخون أن راية كسرى المسماة ( زركش كاويان ) كان منقوشا عليها بالذهب بمعرفة السحرة ووفقاً لتعليماتهم الوفق المئيني العددي داخل مربع مقسم الى مئة خانة ، ونقشت فيها الطلاسم عند دخول الشمس في برج الحوت أو القوس ، وقيل أن حامل هذا اللوح لا يغلب ، وهذا ما لم يتحقق في القادسية
لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحملون في صدورهم ما هو أعظم وأقوى ومبطل لكل سحر ألا وهو القرءان الكريم ، فقد وجدت هذه الراية ممزقة في الموقعة التي قتل فيها رستم وانهزم الفرس ولم يغن عن الفرس سحرهم شيئا ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين . (عالم السحر والشعوذة 20)
q السحر في بلاد الهند
أما الهنود فيعتقدون بأنّ النجوم لها تأثير عظيم على البشر ، وكان السحرة والعرافون يدّعون معرفة الغيب ، ويُطلعون الناس على ما غاب عنهم مقابل أجر زهيد ، ويزعمون أن باستطاعتهم مواجهة الشرّ المتمثل في الشياطين والثعابين ، كما كانوا يزعمون أن بمقدورهم تسليط الشياطين على أعداء من يستعينون بهم ممن يدفع لهم مالاً ، كما يحصل في أيامنا هذه فإن وظيفة الساحر هو تسليط الجن على الخلق ، وإيذائهم وذلك عبر استعمال الطلاسم والعزائم الشركية والنفث في العقد ،
-8-
وكلّ ذلك يعتمد على الشياطين الذين هم أصل هذه العلوم كما ورد في القرءان :" واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر .
q السحر في بلاد الإغريق :
وكان للسحر مكان واسع عند اليونانيين ، وكانوا على نحو جميع الأمم في أمر الاعتقاد بالرقم والعزائم والطلاسم الى غير ذلك ( دائرة معارف القرن العشرين 5/65)
وقد وجد الباحثين في التاريخ أن من عرفوا بالحكمة والفلسفة أمثال ( أفلاطون ) أو الذين عرفوا بالأدب مثل ( أوربيدس ) قد ذكروا الرقى والتعاويذ والأشربة التي تولد العشق والهيام وغير ذلك من الأعمال السحرية .
والغريب أن علم التنجيم وغيره من العلوم الغيبية لم يظهر في بلاد الإغريق في شكلها المتقدم إلا في العهد ( الهلليني) الذي بلغت فيه الحضارة اليونانية أوجها ، والإسبارطيون الذين أعجب الفلاسفة بدستورهم ونظامهم التعليمي ، كانت حياتهم حافلة بالطقوس والشعائر الممزوجة بالسحر .
كما أن المؤرخ اليوناني القديم " هيرودوتس " الملقب بأبي التاريخ كان يميل الى تدوين الأخبار المتعلقة بالتكهنات والهواتف التي تخرج من باطن الأرض ، أو تنزل من كبد السماء ، وقد ذكرت بعض مصادر التاريخ فظاعات قام بها سحرة اليونان تشبه الى حد كبير فظاعات السحر الأسود التي اجتاحات أوروبا في القرون الوسطى ، فوصل الأمر بالساحرات الى مضاجعة جثث الأموات الحديثة من الشبان في المقابر وقتل وتعذيب الأطفال ! ..
وكان أفلاطون يهتم لأمر السحر ويحاول أن يفسر السحر تفسيراً طبيعياً أو عقليا ، فهو يقول عن العرافة عن طريق الكبد :" إن الكبد هو بمثابة المرآة التي تنعكس عليها أفكار المرء وصورة النفس ، وهو يتحدث عن الحب الموائم بين العناصر على أنه مصدر الصحّة والخصب للنبات والحيوان والانسان وأن الحب المتهور بينها هو علّة الطواعين والأمراض وأن دراسة وفهم هذين النوعين من الحب وصلتهما بدورات الأجرام السمواية وتغيير فصول السنة هو ما يسمى بعلم الفلك أو علم التنجيم وأساسه قانون سيطرة الكواكب على المخلوقات الدنيا " ( السحر والسحرة 233 لابراهيم أدهم )
وها نحن نرى كيف أن الفلاسفة أيضاً قد تورّطوا في تفسير ظاهرة السحر ووافقوا المنجمين في معتقدهم بأن الأجرام السموية والكواكب لها تأثير في حياة الناس وحركة الكون ، وقد حمل علماء الاسلام على الفلاسفة لتفسيرهم السحر بهذه الطريقة ومنهم ابن تيمية في كتابه " درء تعارض العقل والنقل "
-9-
فقال موجها كلامه لليونانيين الفلاسفة :" وأما أئمتكم البارعون كأرسطو وذويه ، فغايته أن يكون مشركا سحّارا وزيراً لملك مشرك سحار كالاسكندر بن فيليبس وأمثاله من ملوك اليونان الذين كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان "
ثم يقول في موضع آخر :" وهل وجد في العالم أجهل وأضلّ وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها الفلاسفة ؟ أوليس من أعظم علومهم السحر الذي غايته أن يعبد الانسان شيطاناً من الشياطين ويصوم له ويصلّي ويقرِّب له القرابين حتى ينال بذلك عرَضاً من الدنيا ، فساده أعظم من صلاحه وإثمه أكبر من نفعه نفس المصدر /64-65
q السحر عند المصريين :
ومن الأمم التي اشتهرت بالسحر في التاريخ القبط في مصر ، وقد دلّت المخطوطات المصرية القديمة التي وجدت على ورق البردى ، أن السحر كان له في مصر الاعتبار الأعلى عند جميع الطوائف كما مرّ معنا في قصة موسى مع سحرة فرعون ، وقد كان للسحرة المصريين معادلات جبرية ومجاميع حسابية وفلكية ورموز وكلمات عويصة يستعملونها باستمرار كلما عمدوا الى السحر .
ومن أعظم ملوك مصر الذين حكموهم في آخر عصورهم الملك ( نيكتانيبس ) وكان ساحرا ضليعا وامتد حكمه الى عام 358 قبل الميلاد ، وكان السحرة يمارسون سحرهم عند تحضير الموتى ، فقد كانوا يتلون عند كل عملية من عمليات التحنيط الرقى والعزائم والعبارات السحرية بقصد رصد الكنوز التي كانوا يدفنونها مع الجثة ، وأكد الباحثون في الآثار القديمة أن المناظر والرسوم المنقوشة على جدران قبور قدماء المصريين قد نقشت بقصد سحري ، وقد وجد أن كثيرا من الذين نبشوا قبور الفراعنة أصيبوا بشتى أنواع المصائب ! فمكتشف قبر " توت عنخ آمون " " اللورد كانارافون " عانى الكثير من المشاكل أدّت آخرا الى وفاته !
ويوجد في المتحف البريطاني تحت رقم ( 22542) تابوت داخلي دقيق الصنع لمومياء مصرية كانت إحدى أفراد العائلة المالكة ومن عداد الكاهنات ، وللتابوت هذا قصة عجيبة تدلّ على أن المصريين كانوا يرصدون كنوزهم ومومياتهم الى زمن طويل عبر أعمال السحر ، فقد اشترى هذا التابوت المستر " دوغلاس مواري " لنقله الى منزله بلندن ، لكن الذي حصل أن المستر دوجلاس أصيب برصاصة من مسدسه وهو ينظفه ، وتوالت المصائب على كل من تعامل مع هذا التابوت ، الى أن قامت شركة تهتم بالآثار المصرية للبحث في مشكلته ، فكلفت أحد مصوريها بالتقاط الصور لهذا التابوت من كل جوانبه ، إلا أن هذا الأخير قد تعرض لحادث بُترت على أثره أصابع يده .
-10-
وهذه مسألة لا تحير العلماء ، فالمعلوم أن بعض السحرة عندهم اختصاص في رصد الكنوز وغيرها عبر الجان ، وبما أن الجان يعيشون أكثر منا وقد تتراوح أعمارهم بين مئات و آلاف الاعوام تقريباً ، إذاً يمكن لهذا الرصد أن يبقى هذه المدة ، وهذا أمر شائع بين الناس وخاصة فيمن يبحث عن الكنوز المدفونة فإنهم يأخذون حذرهم في تلك المسألة ويأخذون بعين الاعتبار أن يكون الكنز مرصودا أي محروساً من الجن .
q السحر في أوروبا قديما وحديثاً
أول من نشر السحر في أوروبا هم اليهود ، فالدارس لتاريخ اليهود يعلم أن اليهود قد انحرف بهم المسار ، بعد أن تركوا شريعتهم ونبذوا كتاب الله وراء ظورهم وتعلقوا بالسحر في كل أشكاله ومارسوه في كل شؤون حياتهم يدلُّك على ذلك قول الله تعالى :" وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ 000
فبعد أن انحرف فيهم المسار ، وضعوا في تلمودهم علم تأثير النجوم واعتقدوا به فقالوا إن التنجيم علم يتحكم في حياة الإنسان ذكيا أو غنياً ، كما يقول الحاخام شانينا : " إن تأثير النجوم تجعل الرجل ذكيا وتأثيرها يجعله ثريا وبنو إسرائيل تحت تأثير النجوم " التلمود من كتاب ظفر الاسلام خان74
والتلمود ممتليء بطقوس السحر والشعوذة والعرافة ، ويزعم الحاخامات أن إبراهيم عليه السلام كان يعرف " العرافة " ويزعمون أنه أعطى بعض الهدايا لأبنائه كانت فيها قوة السحر وكان يعلّق حول عنقه عقداً يتوسطه حجر يشفي كل من رآه " المصدر السابق ص81
وقد انتشر السحر في أوروبا بواسطة اليهود ، وكانت بداية نشرهم له في الوقت الذي استوطنوا فيه إسبانيا -تحت حكم المسلمين- حيث وجد اليهود الأمن في ظل الدولة الإسلامية العادلة ، ولكنهم استغلوا هذه الفرصة لنفث سمومهم في شتى البقاع في أوروبا ".
وقد كان للسحر والسحرة في هذه البلاد شأن عظيم عند الحكام والطبقة الراقية ، بعد أن استشرى الحسد والتنافس على السلطة بين الملوك والأمراء ، فاستعانوا بالسحر لتحقيق مآربهم وغاياتهم كما كانوا يعتقدون ، فقد كان لكل ملك أو ملكة أو أمير أو أميرة ساحره الخاص الذي يقوم بخدمته ويحقق له الأغراض .
ولم يبق السحر في تلك البلاد يعتمد على الأفراد ، بل أنشأ اليهود جمعية عرفت باسم ( القبلانية ) وأصبح لهذه الجمعية شبه مذهب وفلسفة دينية يعتمد على التلمود . من كتاب السحر (محمد محمد جعفر ص31) .
-11-
وفي القرن الرابع عشر انتشرت القبلانية في أوروبا ابتداء من ألمانيا ونزولا الى فرنسا وإيطاليا حيث أنشأت هذه الفئة من اليهود مدرسة قبلانية سنة 1533 كانت أول مدرسة للسحر الأسود إلى أن أغلقت سنة 1572 وتطورت هذه الظاهرة فأنشئت جمعيات عدديدة مارست السحر الأسود ، الذي أذاق ملوك ورؤساء بلدان أوروبا الويلات .. وقد انتهى الأمر بمعظم السحرة في ذلك الوقت الى الإعدام أو الحرق والصلب .
أشهر السحرة : الساحر " أوربان جراندبيه " الذي ما زال عقده الذي حرّره مع الشيطان موجود في المكتبة العامة ( باريس) / الساحر " سانت جرمين " : كان يعيش عام 1743م وكان يجيد الشعر والموسيقى ، وكان يحكي لمن حوله عن وقائع حدثت في مملكة سبأ أيام إقامته فيها ، وقد خصص له ملك فرنسا آنذاك جناحاً خاصاً لإقامته بالقصر الملكي / الساحر " كونت جاليسترو " : كان حاد الزكاء وقد أسس محفلا سحريا مثل المحافل الماسونية ووضع له قوانين وطقوس وكان يضم الكثير من عظماء ونبلاء فرنسا / الساحر " أليستر كراولي " وهو يعتبر من أكبر السحرة في القرن العشرين توفي في عام 1947 ، تخرج من جامعة كامبردج ، وقد وصلت به الشيطنة وأعمال السحر أن سن قوانين شيطانية خاصة به ورموز وكان يقيم حفلات شيطانية لتعميد من يريد الانضمام إليه من السحرة الجدد .
ومن الشخصيات التاريخية التي التحقت بهذه الجمعيات ( جيل دي رايس ) الذي كان مرافقاً للماريشال -جان دارك- وبعد موت جان دارك أعلن أنه سلم نفسه للشيطان والتحق بمجموعة من الناس تقوم بأشنع الجرائم خاصة ضد الأولاد ، فخلال سبع سنوات اختفى ألوف الأولاد الذين يعتقد أن هذه الجمعية ضحّت بدمائهم من أجل الشيطان لعنه الله ، وبعد أن اكتشف ذلك أحرق -دي رايس- وسجلت أسماء ضحاياه في كتيب خاص بهذه الفترة من التاريخ . ( مجلة الحوادث الصادرة من لندن 10/2/1984
أما في جزر ( هايتي ) و ( البرازيل ) ينتشر نوع من السحر يسمى ( الفودو ) ، وهو نوع من أنواع السحر الأسود ، يقصد منه السحرة استخدام الأرواح لتحقيق أهدافهم ومقاصدهم السيئة ، ويستخدم في الفودو الدمى ومشية الموت ليجلبوا المرض والموت للشخص الذي يريدون أذيته ، وخلال الترانيم يستخدمون الدم والمني والنباتات السامة وبقايا الجثث الآدمية .
q ما هو صدى السحر في أوروبا وغيرها من البلدان اليوم ؟
لا يمرّ يوم دون أن تروي الصحف قصة من قصص السحر الواقعية ، وقد يظن الناس أن هذا اللون من الدجل مقصور اليوم على الأمم المتخلفة ، وهذا غير صحيح فإن أكثر شعوب العالم تحضرا تجري فيها طقوس السحر على نحو واسع وبطرق مختلفة تصل الى الإيذاء والقتل
والذي يفهم من هذه الآية أن السحر كفر ، وهو انحراف عن النهج السوي ، ويشيع معه عبادة الأصنام والكواكب ، ويعظم فيه الشيطان ، يبيع الساحر نفسه وما يملك للشيطان حتى يحصل على بعض من فنون وعلوم السحر بما فيه من الإضرار بالناس .
وقبل أن نبدأ بالكلام عن فنون السحر وكيف يصبح الساحر قادراً على ممارسة سحره ، نود أن نلقي الضوء على تاريخ السحر :
ذهب الذين أرّخوا للسحر بعيد الغور في تاريخ البشرية ، واستدلوا على ذلك بما خلَّفه الإنسان قديماً من كتابات ورموز وتصاوير وأساطير ، وجدت في الخرائب والقبور كالتي وجدوها في الأهرامات ، إلا أن هذا التاريخ المدون والذي يعود الى خمسة آلاف عام تقريبا ، غامضاً في كثير من علومه ، ولولا فضل الله علينا وتبيانه لنا في كتابه عن حقيقة السحر وخطره وكيفية الاحتراس منه لبقي العالم أسير هذه المخاوف والعوالم الخفية التي ما فتئت شياطين الجن والإنس تكيد لابن آدم وتعمل على تدميره وإيذائه بهذا الفن من السحر عبر التاريخ ، إن الذي جزم بوجود السحر هو القرءان الكريم ، قال تعالى :" كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون " الذاريات223
فالنص القرءاني بعمومه يدلّ على أن جميع الأمم عرفت السحر ، وواجهت رسلها بهذه المقالة الظالمة وهي اتهامهم بالسحر أو الجنون ، كما جاء في قول الله تعالى : " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين " النمل13 ؛ " وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين " سبأ43 ؛ " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(6) الصف
واتخذ كثير من الملوك فيما مضى لهم سحرة يديرون معهم شؤون دولتهم ، ويستحوذون بهم على قلوب رعيتهم ، ويدلّ على ذلك قصة أصحاب الأخدود التي وردت في القرءان الكريم في سورة البروج ، حيث قام ذلك الغلام المؤمن بإبطال مزاعم ساحر الملك ، وأكرمه الله بالكرامات التي أعجزت عقول الناس فآمنوا جميعاً .
-2-
كما جاء في قوله تعالى : "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1)وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ(2)وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ(3)قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ(4)النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ(5)إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6)وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7)وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8)الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(9)
وقد جاء في الحديث النبوي الشريف تفصيل قصة الغلام ويقال أنه كان يدعى عبدالله بن التامر من نجران في بلاد اليمن ، قال الإمام أحمد فيما يرويه عن عفان : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال للملك إني قد كبر سني وحضر أجلي فادفع إلي غلاما لأعلّمه السحر فدفع إليه غلاما كان يعلمه السحر ، وكان بين الساحر وبين الملك راهب ، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه ، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال ما حبسك وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا ما حبسك فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل حبسني الساحر قال فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا فقال اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر ، قال فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ورماها فقتلها ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك فقال أي بني أنت أفضل مني وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم ، وكان للملك جليس فعَمِي ، فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال اشفني ولك ما ههنا أجمع ، فقال ما أنا أشفي أحدا إنما يشفي الله عز وجل فإن آمنت به دعوت الله فشفاك فآمن فدعا الله فشفاه .
ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس فقال له الملك يا فلان من ردَّ عليك بصرك ؟ فقال ربّي فقال أنا ؟ قال لا ربي وربك الله قال ولك رب غيري ؟ قال نعم ربي وربك الله فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فبعث إليه فقال أي بنيّ بلغ من سحرك أن تبريء الأكمه والأبرص وهذه الأدواء ؟ قال ما أشفي أحدا إنما يشفي الله عز وجل قال أنا ؟ قال لا ، قال أولك رب غيري ؟ قال ربي وربك الله فأخذه أيضا بالعذاب فلم يزل به حتى دلّ على الراهب فأتى بالراهب فقال ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شِقَّاه ، وقال للأعمى ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض . وقال للغلام ارجع عن دينك فأبى فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا وقال إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فده دهوه فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال: " اللهم اكفنيهم بما شئت " فرجف بهم الجبل فدُه دِهوا أجمعون
-3-
وجاء الغلام يتلَّمس حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك ؟ فقال كفانيهم الله تعالى فبعث به مع نفر في قرقور ( قارب) فقال إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فغرِّقوه في البحر فلججوا به البحر ، فقال الغلام "اللهم اكفنيهم بما شئت " فغرِّقوا أجمعون ، وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك ؟ فقال كفانيهم الله تعالى . ثم قال للملك :" إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني وإلا فإنك لا تستطيع قتلي قال : وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد ، ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهما من كنانتي ثم قل :" بسم الله رب الغلام " فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال بسم الله ربّ الغلام فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات فقال الناس آمنا برب الغلام . فقيل للملك أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك قد آمن الناس كلهم فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النيران وقال من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها قال فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون فجاءت امرأة بابن لها ترضعه فكأنها تقاعست أن تقع في النار فقال الصبي اصبري يا أماه فإنك على الحق . رواه مسلم
q قصة موسى وسحرة فرعون :
ولما جاء موسى عليه السلام الى فرعون وملأه ودعاهم الى الله ، كان السحر رائجاً وقد بلغ هذا الفن القمة ولذلك فقد واجههم موسى عليه السلام بما هو أعظم من السحر ألا وهي المعجزة الحقيقية فأبطلت سحرهم ، وهي العصا التي تحولت الى ثعبان كبير حين ألقاها موسى أمامه أول مرة كما جاء في قوله تعالى :" فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين " الاعراف ، وهذا ما ظنه فرعون سحراً لأنه اعتاد على أن يستعمل السحر في الاستحواذ على قلوب رعيته فلم يذعن فرعون لهذه المعجزة وأراد إبطال آية موسى بمعارضتها بأعمال السحرة الذين كانوا قد بلغوا من السحر في تلك الأيام مبلغا عظيما ، فجمع له السحرة من أنحاء دولته ، قال تعالى :" قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ(109)يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ(110)قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(111)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(112) الأعراف
وحدّد فرعون يوم العيد موعداً للمواجهة كما جاء في قوله تعالى : " فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى(58)قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى(59)فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى(60)
-4-
واجتمع السحرة من أنحاء مصر ، ورغّبهم فرعون في الأجر والرفعة عنده ، ليحفِّزهم على بذل أقصى ما عندهم في المواجهة في اليوم المشهود ، وجمع الناس من مختلف الأقطار ، قال تعالى :" فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(38)وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ(39)لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ(40)فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(41)قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(42) الشعراء
ووعظ موسى السحرة قبل المبارزة ، فتحاوروا فيما بينهم وعزموا على المضي قدماً فيما أعدوا أنفسهم له ، كما جاء في سورة طه قوله تعالى : " قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى(61)فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى(62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى(63)فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى(64)
ثم خير السحرة موسى في ابتداء المواجهة كما جاء في الآية " قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ(115)
فاختار موسى ابتداء السحرة " قَالَ أَلْقُوا " وفي سورة طه " قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا " 66-67 / هنا قال موسى كلاما عقائديا يكشف كذب وزيغ ما يأتي به السحرة ، وأنه بوجود الحق لا مكان للباطل ، كما جاء في الآية " فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(81)وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(82) يونس
" فألقوا حبالَهم وعصيَّهم وقالوا بعزّة فرعون إنا لنحن الغالبون " الشعراء44
وكانت نتيجة التخييل أن سحَروا أعين الناس كما جاء في قوله تعالى :" فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " ، وكانوا قد عمدوا إلى حبال وعصيّ فأودعوها الزئبق ، فأحدثت اضطراباً على الرمال الحارّة وخيّل للناس أنها تسعى كما جاء في قوله تعالى : " فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى ، فأوجس في نفسه خيفة موسى " ، وكان خوف موسىu على الناس من أن يفتتنوا بسحرهم ومحالهم قبل أن يلقي ما في يده ، فإنه لا يضع شيئا قبل أن يؤمر ، فأوحى الله إليه في الساعة الراهنة : " لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " وعند ذلك ألقى موسى عصاه ، فإذا هي حية عظيمة ذات قوائم ( فيما ذكره غير واحد من علماء السلف ) وعنق عظيم وشكل هائل مزعج ، بحيث أن الناس انحازوا منها وهربوا سراعاً وتأخروا عن مكانها .
-5-
وأقبلت هي على ما ألقوه من الحبال والعصي فجعلت تلقفه واحداً واحداً في أسرع ما يكون من الحركة والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها . قال تعالى :" وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ "
وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم وحيَّرهم في أمرهم واطَّلعوا على أمر لا يدخل تحت صناعاتهم وأشغالهم ، فعند ذلك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا شعبذة ولا خيال ولا تزوير ، بل حقّ لا يقدر عليه إلا الحق سبحانه .
وكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة وأنارها بما خلق فيها من الهدى وأزاح عنها القسوة وأنابوا إلى ربهم وخرّوا له ساجدين وقالوا جهرة للحاضرين آمنا برب موسى وهارون .
كما جاءت الأنباء بذلك في قوله تعالى :" فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى(70) قالَ ءَامَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى(71)قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72) إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73) طه 70- 73 ؛ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(120)قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(121)
قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة والاوزاعي وغيرهم لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيّأ لهم وتزخرف لقدومهم ولهذا لم يلتفتوا الى تهويل فرعون وتهديده ووعيده ( البداية والنهاية لابن كثير جـ1 ص239-240
إذاً نستطيع أن نقول أنه مع كل ظهور لشمس الهداية على يد نبيّ- فإنه يأفل نجم السحر ويبطل تأثيره في الناس ، كما حصل للكهانة مع مجيء محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد حُجِبت السماء وانقطعت أخبارها عن الشياطين مسترقي السمع الذين كانوا يزودون الكهنة بالأخبار التي يسترقونها من ملائكة السماء ولهذا كان سجود السحرة في حضرة فرعون لله رب العالمين إبطال لما ادَّعاه فرعون من الربوبية وإثبات الربوبية لله عز وجل ، وثانياً إزالة تأثير السحر عن عقول الناس وتبصرتهم بالحقيقة .
والسحر جاء مع إضلال الشيطان لأقوام عبدوا الأصنام والكواكب ، فهو نوع من أنواع الضلال الذي يكفر به صاحبه ، كما ورد في القرءان عن هاروت وماروت قولهم لمن يتعلم السحر : " إنما نحن فتنة فلا تكفر "
من الأمم القديمة التي مارست السحر وضلّت به أهل بابل كما ورد في القرءان :" ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " البقرة102
-6-
ولماذا نزل الملكين ببابل ؟ لعله - والله أعلم بالمقصود - قد انتشر السحر في تلك البلاد بكثرة ، فجاءا بهذه المهمة ليعلّموا الناس فنون السحر اختباراً وابتلاء للناس وذلك لاجتنابه لا للوقوع فيه ، وقد كان اليهود يتهمون نبي الله سليمان بأنه هو الذي نشر هذه العلوم من السحر ، فبرّأه الله في كتابه بقوله :" وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا " .
والآية تشير الى أن منبع علوم السحر هو من الشياطين ، كما جاء في أسباب نزول هذه الآية : يقول سعيد بن جبير = كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه ، إلى أن مات سليمان u فدنت إلى الإنس فقالوا لهم أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك ؟ قالوا نعم قالوا فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه ، فاستثار به الإنس واستخرجوه وعملوا به ، فقالوا كان سليمان يعمل بهذا وهذا سحر ، بينما في الحقيقة منشأ هذا السحر هو من الشياطين ومن ثمَّ انتشر بين الناس ، ليحقق الشيطان فيهم أمنيته فيكفِّرهم ويجعلهم عبيدا له قبل أن يقدم لهم شيئاً من أذى السحر من تفريق وربط ومس غير ذلك من صنوف الأذى للعباد ، كما فعل اليهود عندما نبذوا التوراة وراء ظهورهم واشتغلوا بالسحر الذي جعلهم عبيدا للشيطان فقال الله فيهم " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " وهذا ما يؤكد أن الساحر يبيع نفسه وما يملك للشيطان .
والذي يتضح لنا أيضا من القرءان الكريم أن السحر كان يصاحبه عبادة للأوثان والكواكب ، لأن السحر لم ينتشر إلا بعد أن انتشرت الأصنام ، وقد بدأ هذا الأمر في عهد نوح كما جاء في قوله تعالى :" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ(26) هود وقوله تعالى :" وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا " الاسراء
ونعود الى سرد بعض من اشتهر من الامم بالسحر : يقول ابن خلدون في مقدمته :" وأما وجود السحر في أهل بابل وهم الكلدانيون والسريانيون فكثير ونطق به القرءان وجاءت به الأخبار ، وكان للسحر في بابل ومصر أزمان بعثة موسى عليه السلام أسواق نافقة " ص927
ويذكر أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص :" أن أهل بابل كانوا صابئين يعبدون الكواكب السبعة ويسمونها آلهة ، ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعالها ، ( تماماً كما يحصل اليوم من نشرات يومية من علماء الفلك والذين يربطون الأمور كلها بالكواكب ) ثم يقول الجصاص : وهم الذين بعث الله تعالى إليهم إبراهيم خليل الله صلوات الله وسلامه عليه ، وحاجهم بالحجاج الذي بهرهم بها ، وأقام عليهم الحجة .
-7-
ويذكر الجصّاص أن ضلالة عبادة الكواكب السبعة لم تكن وقفا على أهل بابل ، بل كانت شائعة في إقليم العراق والشام ومصر والروم . وقد قسم الباحثون في مؤلفات الباببليين ونصوصهم السحرية تلك المؤلفات والنصوص الى ثلاثة مجاميع رئيسية :
الأولى : النصوص التنجيمية وفيها ذكر الكواكب على أنها آلهة ( بزعمهم) تؤثر في حياة الناس وفي أفعالهم ومصائرهم .
الثانية : فهي اللوحات الخاصة ببعض الوسائل المستعملة في الكهانة والتنبؤ بالغيب بزعمهم
المجموعة الثالثة :" فهي النُشرة والتعاويذ التي كانت تستخدم لدرء السحر الأسود وطرد الأرواح الخبيثة التي تحل بالأبدان ، فتسبب لأصحابها الأذى والأمراض .
فكل الكتابات والنقوش التي خلفها البابليون والأشوريون تدل على أن الخوف من الجن والشياطين كان الهاجس الأساسي في حياتهم وأن السحر كان في أولى اهتماماتهم .
- وتأثَّر الفرس أيضاً بسحر البابليون بعد أن استولى بعض ملوكهم على مدينة بابل ، ويذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية 7/38 أن رستم قائد الفرس في معركة القادسية ، كان ينظر في النجوم وقد اعتمد على النجوم في توقيت المعركة للظهور على المسلمين ، وكان هذا أحد الأسباب التي دعته الى تأخير ملاقاة المسلمين في القادسية مدة تزيد على الأربعة أشهر ، إذا كان الفرس يؤمنون بالسحر وتأثير الكواكب ويذكر المؤرخون أن راية كسرى المسماة ( زركش كاويان ) كان منقوشا عليها بالذهب بمعرفة السحرة ووفقاً لتعليماتهم الوفق المئيني العددي داخل مربع مقسم الى مئة خانة ، ونقشت فيها الطلاسم عند دخول الشمس في برج الحوت أو القوس ، وقيل أن حامل هذا اللوح لا يغلب ، وهذا ما لم يتحقق في القادسية
لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحملون في صدورهم ما هو أعظم وأقوى ومبطل لكل سحر ألا وهو القرءان الكريم ، فقد وجدت هذه الراية ممزقة في الموقعة التي قتل فيها رستم وانهزم الفرس ولم يغن عن الفرس سحرهم شيئا ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين . (عالم السحر والشعوذة 20)
q السحر في بلاد الهند
أما الهنود فيعتقدون بأنّ النجوم لها تأثير عظيم على البشر ، وكان السحرة والعرافون يدّعون معرفة الغيب ، ويُطلعون الناس على ما غاب عنهم مقابل أجر زهيد ، ويزعمون أن باستطاعتهم مواجهة الشرّ المتمثل في الشياطين والثعابين ، كما كانوا يزعمون أن بمقدورهم تسليط الشياطين على أعداء من يستعينون بهم ممن يدفع لهم مالاً ، كما يحصل في أيامنا هذه فإن وظيفة الساحر هو تسليط الجن على الخلق ، وإيذائهم وذلك عبر استعمال الطلاسم والعزائم الشركية والنفث في العقد ،
-8-
وكلّ ذلك يعتمد على الشياطين الذين هم أصل هذه العلوم كما ورد في القرءان :" واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر .
q السحر في بلاد الإغريق :
وكان للسحر مكان واسع عند اليونانيين ، وكانوا على نحو جميع الأمم في أمر الاعتقاد بالرقم والعزائم والطلاسم الى غير ذلك ( دائرة معارف القرن العشرين 5/65)
وقد وجد الباحثين في التاريخ أن من عرفوا بالحكمة والفلسفة أمثال ( أفلاطون ) أو الذين عرفوا بالأدب مثل ( أوربيدس ) قد ذكروا الرقى والتعاويذ والأشربة التي تولد العشق والهيام وغير ذلك من الأعمال السحرية .
والغريب أن علم التنجيم وغيره من العلوم الغيبية لم يظهر في بلاد الإغريق في شكلها المتقدم إلا في العهد ( الهلليني) الذي بلغت فيه الحضارة اليونانية أوجها ، والإسبارطيون الذين أعجب الفلاسفة بدستورهم ونظامهم التعليمي ، كانت حياتهم حافلة بالطقوس والشعائر الممزوجة بالسحر .
كما أن المؤرخ اليوناني القديم " هيرودوتس " الملقب بأبي التاريخ كان يميل الى تدوين الأخبار المتعلقة بالتكهنات والهواتف التي تخرج من باطن الأرض ، أو تنزل من كبد السماء ، وقد ذكرت بعض مصادر التاريخ فظاعات قام بها سحرة اليونان تشبه الى حد كبير فظاعات السحر الأسود التي اجتاحات أوروبا في القرون الوسطى ، فوصل الأمر بالساحرات الى مضاجعة جثث الأموات الحديثة من الشبان في المقابر وقتل وتعذيب الأطفال ! ..
وكان أفلاطون يهتم لأمر السحر ويحاول أن يفسر السحر تفسيراً طبيعياً أو عقليا ، فهو يقول عن العرافة عن طريق الكبد :" إن الكبد هو بمثابة المرآة التي تنعكس عليها أفكار المرء وصورة النفس ، وهو يتحدث عن الحب الموائم بين العناصر على أنه مصدر الصحّة والخصب للنبات والحيوان والانسان وأن الحب المتهور بينها هو علّة الطواعين والأمراض وأن دراسة وفهم هذين النوعين من الحب وصلتهما بدورات الأجرام السمواية وتغيير فصول السنة هو ما يسمى بعلم الفلك أو علم التنجيم وأساسه قانون سيطرة الكواكب على المخلوقات الدنيا " ( السحر والسحرة 233 لابراهيم أدهم )
وها نحن نرى كيف أن الفلاسفة أيضاً قد تورّطوا في تفسير ظاهرة السحر ووافقوا المنجمين في معتقدهم بأن الأجرام السموية والكواكب لها تأثير في حياة الناس وحركة الكون ، وقد حمل علماء الاسلام على الفلاسفة لتفسيرهم السحر بهذه الطريقة ومنهم ابن تيمية في كتابه " درء تعارض العقل والنقل "
-9-
فقال موجها كلامه لليونانيين الفلاسفة :" وأما أئمتكم البارعون كأرسطو وذويه ، فغايته أن يكون مشركا سحّارا وزيراً لملك مشرك سحار كالاسكندر بن فيليبس وأمثاله من ملوك اليونان الذين كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان "
ثم يقول في موضع آخر :" وهل وجد في العالم أجهل وأضلّ وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها الفلاسفة ؟ أوليس من أعظم علومهم السحر الذي غايته أن يعبد الانسان شيطاناً من الشياطين ويصوم له ويصلّي ويقرِّب له القرابين حتى ينال بذلك عرَضاً من الدنيا ، فساده أعظم من صلاحه وإثمه أكبر من نفعه نفس المصدر /64-65
q السحر عند المصريين :
ومن الأمم التي اشتهرت بالسحر في التاريخ القبط في مصر ، وقد دلّت المخطوطات المصرية القديمة التي وجدت على ورق البردى ، أن السحر كان له في مصر الاعتبار الأعلى عند جميع الطوائف كما مرّ معنا في قصة موسى مع سحرة فرعون ، وقد كان للسحرة المصريين معادلات جبرية ومجاميع حسابية وفلكية ورموز وكلمات عويصة يستعملونها باستمرار كلما عمدوا الى السحر .
ومن أعظم ملوك مصر الذين حكموهم في آخر عصورهم الملك ( نيكتانيبس ) وكان ساحرا ضليعا وامتد حكمه الى عام 358 قبل الميلاد ، وكان السحرة يمارسون سحرهم عند تحضير الموتى ، فقد كانوا يتلون عند كل عملية من عمليات التحنيط الرقى والعزائم والعبارات السحرية بقصد رصد الكنوز التي كانوا يدفنونها مع الجثة ، وأكد الباحثون في الآثار القديمة أن المناظر والرسوم المنقوشة على جدران قبور قدماء المصريين قد نقشت بقصد سحري ، وقد وجد أن كثيرا من الذين نبشوا قبور الفراعنة أصيبوا بشتى أنواع المصائب ! فمكتشف قبر " توت عنخ آمون " " اللورد كانارافون " عانى الكثير من المشاكل أدّت آخرا الى وفاته !
ويوجد في المتحف البريطاني تحت رقم ( 22542) تابوت داخلي دقيق الصنع لمومياء مصرية كانت إحدى أفراد العائلة المالكة ومن عداد الكاهنات ، وللتابوت هذا قصة عجيبة تدلّ على أن المصريين كانوا يرصدون كنوزهم ومومياتهم الى زمن طويل عبر أعمال السحر ، فقد اشترى هذا التابوت المستر " دوغلاس مواري " لنقله الى منزله بلندن ، لكن الذي حصل أن المستر دوجلاس أصيب برصاصة من مسدسه وهو ينظفه ، وتوالت المصائب على كل من تعامل مع هذا التابوت ، الى أن قامت شركة تهتم بالآثار المصرية للبحث في مشكلته ، فكلفت أحد مصوريها بالتقاط الصور لهذا التابوت من كل جوانبه ، إلا أن هذا الأخير قد تعرض لحادث بُترت على أثره أصابع يده .
-10-
وهذه مسألة لا تحير العلماء ، فالمعلوم أن بعض السحرة عندهم اختصاص في رصد الكنوز وغيرها عبر الجان ، وبما أن الجان يعيشون أكثر منا وقد تتراوح أعمارهم بين مئات و آلاف الاعوام تقريباً ، إذاً يمكن لهذا الرصد أن يبقى هذه المدة ، وهذا أمر شائع بين الناس وخاصة فيمن يبحث عن الكنوز المدفونة فإنهم يأخذون حذرهم في تلك المسألة ويأخذون بعين الاعتبار أن يكون الكنز مرصودا أي محروساً من الجن .
q السحر في أوروبا قديما وحديثاً
أول من نشر السحر في أوروبا هم اليهود ، فالدارس لتاريخ اليهود يعلم أن اليهود قد انحرف بهم المسار ، بعد أن تركوا شريعتهم ونبذوا كتاب الله وراء ظورهم وتعلقوا بالسحر في كل أشكاله ومارسوه في كل شؤون حياتهم يدلُّك على ذلك قول الله تعالى :" وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ 000
فبعد أن انحرف فيهم المسار ، وضعوا في تلمودهم علم تأثير النجوم واعتقدوا به فقالوا إن التنجيم علم يتحكم في حياة الإنسان ذكيا أو غنياً ، كما يقول الحاخام شانينا : " إن تأثير النجوم تجعل الرجل ذكيا وتأثيرها يجعله ثريا وبنو إسرائيل تحت تأثير النجوم " التلمود من كتاب ظفر الاسلام خان74
والتلمود ممتليء بطقوس السحر والشعوذة والعرافة ، ويزعم الحاخامات أن إبراهيم عليه السلام كان يعرف " العرافة " ويزعمون أنه أعطى بعض الهدايا لأبنائه كانت فيها قوة السحر وكان يعلّق حول عنقه عقداً يتوسطه حجر يشفي كل من رآه " المصدر السابق ص81
وقد انتشر السحر في أوروبا بواسطة اليهود ، وكانت بداية نشرهم له في الوقت الذي استوطنوا فيه إسبانيا -تحت حكم المسلمين- حيث وجد اليهود الأمن في ظل الدولة الإسلامية العادلة ، ولكنهم استغلوا هذه الفرصة لنفث سمومهم في شتى البقاع في أوروبا ".
وقد كان للسحر والسحرة في هذه البلاد شأن عظيم عند الحكام والطبقة الراقية ، بعد أن استشرى الحسد والتنافس على السلطة بين الملوك والأمراء ، فاستعانوا بالسحر لتحقيق مآربهم وغاياتهم كما كانوا يعتقدون ، فقد كان لكل ملك أو ملكة أو أمير أو أميرة ساحره الخاص الذي يقوم بخدمته ويحقق له الأغراض .
ولم يبق السحر في تلك البلاد يعتمد على الأفراد ، بل أنشأ اليهود جمعية عرفت باسم ( القبلانية ) وأصبح لهذه الجمعية شبه مذهب وفلسفة دينية يعتمد على التلمود . من كتاب السحر (محمد محمد جعفر ص31) .
-11-
وفي القرن الرابع عشر انتشرت القبلانية في أوروبا ابتداء من ألمانيا ونزولا الى فرنسا وإيطاليا حيث أنشأت هذه الفئة من اليهود مدرسة قبلانية سنة 1533 كانت أول مدرسة للسحر الأسود إلى أن أغلقت سنة 1572 وتطورت هذه الظاهرة فأنشئت جمعيات عدديدة مارست السحر الأسود ، الذي أذاق ملوك ورؤساء بلدان أوروبا الويلات .. وقد انتهى الأمر بمعظم السحرة في ذلك الوقت الى الإعدام أو الحرق والصلب .
أشهر السحرة : الساحر " أوربان جراندبيه " الذي ما زال عقده الذي حرّره مع الشيطان موجود في المكتبة العامة ( باريس) / الساحر " سانت جرمين " : كان يعيش عام 1743م وكان يجيد الشعر والموسيقى ، وكان يحكي لمن حوله عن وقائع حدثت في مملكة سبأ أيام إقامته فيها ، وقد خصص له ملك فرنسا آنذاك جناحاً خاصاً لإقامته بالقصر الملكي / الساحر " كونت جاليسترو " : كان حاد الزكاء وقد أسس محفلا سحريا مثل المحافل الماسونية ووضع له قوانين وطقوس وكان يضم الكثير من عظماء ونبلاء فرنسا / الساحر " أليستر كراولي " وهو يعتبر من أكبر السحرة في القرن العشرين توفي في عام 1947 ، تخرج من جامعة كامبردج ، وقد وصلت به الشيطنة وأعمال السحر أن سن قوانين شيطانية خاصة به ورموز وكان يقيم حفلات شيطانية لتعميد من يريد الانضمام إليه من السحرة الجدد .
ومن الشخصيات التاريخية التي التحقت بهذه الجمعيات ( جيل دي رايس ) الذي كان مرافقاً للماريشال -جان دارك- وبعد موت جان دارك أعلن أنه سلم نفسه للشيطان والتحق بمجموعة من الناس تقوم بأشنع الجرائم خاصة ضد الأولاد ، فخلال سبع سنوات اختفى ألوف الأولاد الذين يعتقد أن هذه الجمعية ضحّت بدمائهم من أجل الشيطان لعنه الله ، وبعد أن اكتشف ذلك أحرق -دي رايس- وسجلت أسماء ضحاياه في كتيب خاص بهذه الفترة من التاريخ . ( مجلة الحوادث الصادرة من لندن 10/2/1984
أما في جزر ( هايتي ) و ( البرازيل ) ينتشر نوع من السحر يسمى ( الفودو ) ، وهو نوع من أنواع السحر الأسود ، يقصد منه السحرة استخدام الأرواح لتحقيق أهدافهم ومقاصدهم السيئة ، ويستخدم في الفودو الدمى ومشية الموت ليجلبوا المرض والموت للشخص الذي يريدون أذيته ، وخلال الترانيم يستخدمون الدم والمني والنباتات السامة وبقايا الجثث الآدمية .
q ما هو صدى السحر في أوروبا وغيرها من البلدان اليوم ؟
لا يمرّ يوم دون أن تروي الصحف قصة من قصص السحر الواقعية ، وقد يظن الناس أن هذا اللون من الدجل مقصور اليوم على الأمم المتخلفة ، وهذا غير صحيح فإن أكثر شعوب العالم تحضرا تجري فيها طقوس السحر على نحو واسع وبطرق مختلفة تصل الى الإيذاء والقتل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق