لماذا يبتلي الله عباده الصالحين ؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين , سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ...
فإن الكثيرات منا قد تنظر إلى الإبتلاءات التي تنزل بها أو تنزل بأحد أحبابها واقربائها قد تزعجها أو تجعلها في حيرة وقلق ...تقول : فلان صالح فلماذا ابتلاه المولى سبحانه بهذا المرض ؟؟
هذه طفلة صغيرة بريئة لم ترتكب ذنبا , فلماذا تعاني ...؟؟
هذا مكفوف , يعاني منذ ولادته , وذاك معاق بدأ حياته من أول يوم بالإعاقة ...
سبحان الله العظيم ....لماذا الله عزوجل يبتلي عباده بهذه المصائب ...
أسئلة كثيرة تجول في بالنا , وحكم كثيرة ومواعظ غابت عن بالنا سنتعلم بعضها اليوم بإذن الله تعالى ,
وآثرت ان أطرح هذا الموضوع في ملتقانا - ملتقى المغتربات - لأن الكثيرات منا تتعب في حياتها , ياتيها من التعب والهم وأحيانا معهما المرض , فتتعب إحدانا ولا أحد يواسيها ويقف بجانبها ...
لا ينقذها مما هي فيه إلا ان تسعى لمداوة نفسها بنفسها , لا تنتظر أحدا يطبطب عليها او يوقظها من غفلتها , بل هي المسؤولة الاولى والأخيرة عن حالتها الصحية والنفسية وحتى الدينية , لا تتخذ إحدانا حجة أن الغربة أبعدتنا عن الدروس وحلقات العلم والخير الكثير في بلاد الإسلام ,
الحمد لله النت موجودة والقنوات الإسلامية موجودة تستطيع ان تستفيد منها أفضل استفادة , وتأخذ أجرها أكثر ممن يأتيه العلم على طبق من ذهب ........
بسم الله الرحمن الرحيم ...
وصولك إلى الله سبحانه وتعالى بالعبادات لا يتم إلا بعد اختراق عوائق كثيرة .. عوائق العجب , عوائق الرياء , عوائق الكبر ...
أما المصائب والإبتلاءات التي قد تواجهك , كفقر بعد غنى , مرض بعد عافية , عجز بعد قوة , فقد حبيب , هذه الإبتلاءات فورا تنقلك إلى ساحة العبودية ....
الإبتلاءات والمصائب طريق سالك ليس فيه عوائق ..
فعندما اكون غنيا ثم أفقر , رأسا أقف منكسرا على اعتاب الله سبحانه , هذه الفاقة والعجز فورا تنقلني إلى الوقوف على الباب ......
لاحظن اخواتي ..هل هناك مجال في هذه الحالة لدخول الرياء أو العجب او التباهي بوقوفي بين يدي الله وأنا منكسرة ..؟؟؟
هل هناك مجال لتجعل من الفقر مطية للدنيا كما كنت تمتطي العبادة وأنت في صحتك وقوتك لمآرب دنيوية ...؟؟
المصائب توقظ الإنسان , بعد ان تجول به سكرة الطمأنينة و الامن , العافية , الغنى , القوة ., فتراه يبتعد عن الله , يبتعد عن شعور العجز والفقر إلى الله , يغتر بحاله واطمئنانه , تسكرك نشوة المال والغنى والعافية , فتأتي المصيبة فتوقظك إلى فقرك وعجزك , ومن ثم تقودك إلى باب الله سبحانه ..
وفي هذا يقول ابن عطاء الله :
(( ربما وجدت في المزيد من الفاقات مالم تجده في صوم وصلاة ))
- الصلاة , الصوم , طريق إلى الله ولكن فيه عقبات كثيرة يجب مدافعتها ومجاهدتها حتى تصل إلى الله آمنا , أعمالك خالصة لوجهه تعالى لا يتخللها لا رياء ولا سمعة تجعل من عبادتك هباء منثورا ..
- أما الفاقة (( متمثلة بالعجر والفقرو الضعف والمصائب )) طريق أيضا إلى الله ولكن خطوة واحدة فيها تجد نفسك واصلا لمحراب العبودية ,
المصائب ولو كانت في مظهرها نقم وابتلاء , ولكنها في باطنها نعم وتكريم ..
لأن الذي يسوقك إلى الله نعمة ام نقمة ؟؟؟
الحالة التي تضعك في حالة قرب من الله عزوجل , نعمة ام نقمة ؟؟
النعم قسمان : ظاهر وباطن ..
يقول المولى عزوجل :
هذه تربية من الله عزوجل رب العالمين , رب الأرباب , يربي عباده سبحانه ,
وفي هذا يقول ابن عطاء الله :
(( من لم يقبل إلى الله بلطائف الإحسان , سيق إليه بسلاسل الإمتحان ))
إذا أُنعم الإنسان وأُكرم بالمال الغنى فلم يقبل على الله , ماذا يفعل الله معه لو أحبه ..؟؟؟
سيبتليه ليعود ..
الدنيا دار امتحان , الصالحون لا يفرقون بين حال الإبتلاء وحال الإحسان , كسيدنا عمر وسيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنهما , كلاهما أكرمهما الله عزوجل بالعافية والصحة فلم يزدهما هذا إلا إقبالا على الله ..
لكن السالكون , الذين يسيرون في الطريق ( طريق الله ) يجاهدون أنفسهم , ومرة يتغلبون على انفسهم ومرة يضعفون ,. هؤلاء بحاجة إلى هذا الكلام ..
بعضهم يكون منعما ثم يبتليه المولى عزوجل .....فيتوقف عن العبادة وكأنه يحتج على زوال النعمة
عبوديته ليست عبودية حقيقة , وكأنك تعبده على شرط , إذا أحسن الله إليك عبدته ,
إذا : أنت لست عبدا لله عزوجل , أنت لا تمارس العبودية حق ممارستها , فينبغي ان تكون عبدا سواء أعطاك أو منعك .. أحسن إليك او ابتلاك ..
إذا كانت هذه الإمتحانات دواء لامثالنا (( نحن الذين لا نزال نسير في طريق الله )) إن أسكرتنا النعم أيقظتنا الإبتلاءات ..
طيب ..
الطبقة العليا من الصالحين .. الرسل والانبياء ثم الأولياء والصالحون .. لماذا يبتلون إذا ؟؟
الحكمة أخواتي ان الله عزوجل مزج حياة الإنسان بين الخيرو الشر , ليس فقط كعصى تهديد وتنبيه , بل هنالك حكم أخرى, يشترك فيها كل الناس مع الأنبياء ..
أولا :
الله عزوجل خلقنا عبيدا له , أليس كذلك ؟؟
المطلوب منا أن نضع هذه الآية موضع التطبيق , نمارس عبودتينا له بالسلوك والإختيار ,
نحن خلقنا عبيد , في الخلقة أصلا , والمطلوب ان نصبح عبيدا بالإختيار , بسلوكنا الإختياري ,
والعبودية الإختيارية كيف تتحقق ؟؟
بشيئين اثنين : الصبر والشكر
الصبر عند النقمة , والشكر عند النعمة
فإن قلت أنني سأعبد الله بناحية الشكر فقط , فأنت كمن يريد أن يمشي بسيارته بعجلة واحدة ,
أنت يا رب أعطني وأنا أعبدك وأشكرك ...؟؟
لا .. أنت يجب أن تطير إلى الله عزوجل بجناحين اثنين , جناح الشكر , وجناح الصبر
وعندما نتكلم عن الشكر لا نقصد به الشكر والحمد باللسان , الشكر هو أن تستعمل النعمة التي أسداها الله إليك فيما طلبه الله منك ..
أما الصبر ..
إذا صبرت عند الإمتحان , وشكرت عند العطاء فقط أعلنت عن عبوديتك الحقيقية لله سبحانه ,
إذا ما المناخ التي يتحقق فيه الصبر ؟؟
هل هو مناخ الصحة والعافية والنعم ..؟؟
المناخ الذي يتحقق فيه الصبر هو المرض والإبتلاء والفقر ووو.........
لا يمكن أن تكون صابرا وأنت تسبح في بحور النعم ؟؟؟ تصبر على ماذا إذا ..؟؟
لا بد أن يكون هناك مناخ للصبر ..
وهذه هي الحكمة التي تجعل العا رفين والربانيين والرسل يبتلون ويعانون ..
وكأن المولى سبحانه يقول لنا :
انظروا إلى خاصة عبادي , لم أبعدهم عن سنتي وقانوني , ابتليتهم كما ابتليكم , كي تفوح رائحة العبودية في سلوكهم ...
والله سبحانه وتعالى قص علينا قصصهم , لتكون لنا عبرة وعظة...
قصة سيدنا يوسف , سيدنا يعقوب ,
ماذا رأينا نحن من بلاء كما رأى سيدنا يوسف وسيدنا يعقوب عليهما السلام ؟؟
عندما نجد أن سيدنا يعقوب ابيضت عيناه من الحزن , أفقده المصاب والبلاء نور عينيه , هل نشك انه محبوب عند الله عزوجل ؟؟
لا أبدا
أصحاب العاهات والمصائب , تنظرون إليهم , تقولون : أليس الله رحيم وعادل بين عباده , طيب كيف نفهم عدالة الله عزوجل مع هذا الذي تراه اعيننا , إنسان يعاني , إنسان معاق , إنسان فقير جدا ..
الله سبحانه وتعالى عادل وحكيم ..جل شأنه
عندما ننظر إلى المبتلين , فإننا نحكم عليهم بالشقاء بناء على ما تبصره أعيننا , لا بناء على ما تبطنه قلوبهم ..!!
عندما أرى إنسان فاره يخطف الأرض بسيارته فأقول : كم هو سعيد ومحظوظ , أحكم له بالسعادة من خلال عيني ...
وعندما أعود إنسانا مريضا مقعدا , أحكم عليه بالشقاء ..
لا حكمي الاول صحيح , ولا حكمي الثاني صحيح , لأني احكم على ظواهرهم ..
سعادة الإنسان تتجلى في مشاعره , لا في الصبغة الظاهرة عليه ..
هناك كثير من الناس يتمرغون في النعيم , لكنهم لا يستطيعون نوم الليل ....
المسألة ليست متعلقة بالظاهر ...
وهناك اناس مبتلون , ووالله عندما نرى أحدهم ينسينا منظره آلامنا ..
القلوب بيد الله سبحانه , لا بيد المال ولا بيد العافية ...
قلنا اخواتي أن القلوب بيد الله عزوجل , يقلبها كيفما شاء , القلوب ليست بيد المال ولا بيد الغنى ولا بيد العافية ..
كم من إنسان يبتليه الله عزوجل , فيلتجأ إلى الله ويقبل عليه فيغدق المولى سبحانه السعادة والسرور على قلبه ..
ونحن نستثني بذلك الناس التائهين عن الله ..
نتحدث الآن عمن عرف الله عزوجل ..
إذا جمع زيد من الناس من المال ما جمعه قارون , ولم يتجلى الله عزوجل عليه بالرحمة , ماذا يفعل ؟؟
إنسان أقعده المرض 23 سنة , لا يتحرك , إن أردت أن تأخذ الفرح من عينيه ومن أشعة السرور النابعة من قلبه , فاذهب إليه ..
أرد أحدهم أن يعزيه في حاله ويخفف عنه فقال : عمر الدنيا قصير , غدا نتنعم في الجنة إن شاءا لله
فقال هذا المريض : ماذا ينقصنا الآن ؟؟ نحن الآن في الجنة , نحن الآن في النعيم , لا ينقصنا سوى رؤية المولى سبحانه .....
سبحان من يتجلى على القلوب فيجعلها مسرورة ..
لماذا لم يجعل الله عزوجل الناس سواسية في المال ؟؟؟
الرحمة هي الأساس ..
نسأل الله عزوجل أن يجعلنا من عبيد إحسانه لا من عبيد إمتحانه
نحن اخواتي لا نحب الإمتحانات , ولا نطلبها أبدا أبدا , ونعوذ بالله من الإبتلاءات , لاننا لا نقدر عليها ولا نصبر عليها , ولنا في رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم اسوة حسنى عندما قال في دعائه : (( ولكن عافيتك أوسع لي ))
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق